أجرت الحوار في جنيف (سويسرا): د.آمال عويضة
لم يتخيل استشاري الأعمال والخبير الأمريكي "جون مكارثي" أو أبو حنا كما يدعوه الأصدقاء العرب أنه سيتجه لعمل مغاير لما سبق القيام به لعقود بعد سنوات من بداية تقاعده. إذ قبل شهور، وبعد نحو 35 عامًا من الحياة كرجل أعمال في مدينة جنيف عاصمة الثقافة الفرانكفونية، دشن "جون مكارثي" مؤسسة تحمل أول حروف اسمه لنشر للكتب باللغة العربية تعد الأولى من نوعها في سويسرا. جاء ذلك متزامنًا مع إطلاق النسخة العربية من الكتاب الموسوعي للكاتب السويسري الأمريكي د.جيمس برايدنج "صناعة سويسرية، القصة غير المروية لنجاح سويسرا - أو سويس ميد" الذي بيع منه حتى الآن نحو ربع مليون نسخة، في ست لغات أحدثها العربية، حيث تم إعداد وترجمة وطبع الكتاب في سويسرا، ومنها طار إلى لبنان والقاهرة قبل المشاركة في صالون جنيف للكتاب 2018.
الاهتمام باللغة العربية
بداية، يقول مكارثي: "يعود اهتمامي بالمنطقة العربية ولغتها إلى منتصف عقد الستينيات، عندما بدأت دراسة اللغة العربية المعاصرة في جامعة برينستون الأمريكية، ثم اختياري كأحد طلاب بعثات التبادل لدراسة اللغة العربية والأدب بالجامعة الأمريكية في بيروت لمدة عام انتهى للمفارقة في 5 يونيو 1967. ومنذ ذلك التاريخ، عشت في لبنان الذي احتضن أسرتي الصغيرة المكونة من زوجتي وطفلين حتى نوفمبر 1975 قبل خروجنا مع بدايات الحرب الأهلية للعيش في لندن. ارتبطت في تلك الفترة بأعمال في المنطقة العربية، وعملت في إحدى شركات تقديم الاستشارات ثم مسؤولًا عن التوظيف في منطقة الشرق الأوسط. في العام 1993، انتقلت للعيش في جنيف للاستقلال بعملي الخاص، كما تم ضمي في العام نفسه إلى مجلس أوصياء المدرسة الدولية الأمريكية الخاصة ببيروت (آي سي)، وهو ما حافظ على علاقتي بذلك البلد الذي عدت إليه عام 1999، لأعيش بعدها متنقلًا بين العالم العربي وأوروبا كمستثمر في الشركات الناشئة في سويسرا (وادي السليكون الأوروبي)، حيث تواصلت أعمالي التي كانت تتم باللغة الإنجليزية.
منذ أربعة أعوام وبعد تقاعدي، عاودني حلم استكمال دراسة اللغة العربية في جنيف، وتنشيط الذهن بحصة أسبوعية لمدة عام على يد معلمة لبنانية، قبل الانتقال إلى معلمة تونسية تدعى "بسمة الجويني"، الحاصلة على ماجستير الترجمة، والمطلعة على أمهات الكتب الفرنسية والإنجليزية، وبتشجيعها اتجهت لكتابة القصص، ومعها بدأ مشروع ترجمة الكتاب".
صناعة سويسرية .. بالصدفة
يستطرد مكارثي الحديث بقوله: "في الفترة نفسها وعلى التوازي، توالت أخبار نجاح كتاب "صناعة سويسرية" لصديقي الكاتب السويسري الأمريكي د.جيمس برايدنج، حيث تمتد معرفتنا لعقود مضت باعتباره أحد مصادري لطلب النصيحة فيما يتعلق بشؤون التوظيف. لفت نظري محتوى الكتاب المتميز وانتشاره، ودارت حوارات سألت المؤلف فيها عن إمكانية إصداره باللغة العربية لنحو 250 مليون قارئ أغلبهم من الشباب للتعرف على أسرار خلطة النجاح السويسري، وعندئذ أجابني أنه لم يفكر في الأمر، ولكنه لا يمانع في منحي حقوق الطبعة العربية. عقدنا الصفقة، وترجمت بسمة الكتاب بدأب ودقة، وتابعت تجهيزه وتنفيذه وإخراجه مع معلمي القديم اللبناني شاهين نمر المقيم منذ أربعين عامًا في زيورخ، حيث يعمل في مجال تقديم الخدمات بالعربية والإنجليزية. ونظرًا لانشغالنا كفريق في أنشطة أخرى، استغرق إنجاز الكتاب، البالغ عدد صفحاته 470 صفحة تتضمن العديد من وسائل الإيضاح والجداول، نحو العامين، وهو ما هونه المؤلف علينا بقوله إنه حصل على راتب تفرغ كامل لمدة ثلاثة أعوام من جامعة هارفارد لإنجاز الكتاب بمعاونة فرق عدة من الباحثين لجمع وإعداد متن فصول الكتاب الأربعة عشر. وللحفاظ على الدقة نفسها ولصدور النسخة العربية بعد خمسة أعوام من نشر الكتاب، تم إضافة التعديلات اللازمة ليكون مواكبًا".
الاتجاه للنشر بعد التقاعد
يضيف مكارثي متذكرًا الانتهاء من طبع الكتاب: "في أكتوبر الماضي، وصلتني إشارة بطبع 3001 نسخة باللغة العربية، واكتشفت وقتئذ أنني أصبحت مسؤولًا عن توزيعه ونشره، وهي مهنة لم أمارسها من قبل فاتجهت لصديق محام نصحني بتعديل نشاط شركتي المعتمدة في جنيف لأتحول بعد توقيع الأوراق اللازمة إلى ناشر معترف به. تلا تورطي الاتفاق على خطة النشر والإعلام والتسويق مع المصممة اللبنانية المقيمة في جنيف كارول أبي سعد حداد (كرييتمانيا)، حيث تم تنفيذ شعار للشركة واختيارالخطوط المستخدمة في منشوراتها، فضلًا عن إنشاء الموقع الالكتروني، والتواجد على صفحات التواصل الاجتماعي. وقعت الدار لاحقًا عقود طرح الكتاب في السوق العربية مع مكتبة أنطوان في لبنان، ومكتبة ديوان في مصر، كما تم التواصل مع جمالون في عمان الأردن وأرامكس وأمازون العربية إلى جانب العمل على التسويق الإلكتروني والتسويق للمكتبات في الخليج والإمارات والسعودية إلى جانب مصر ولبنان، حيث اصطحبت المؤلف إلى بيروت والقاهرة لتقديم عدد من المحاضرات حول "كيف أصبحت سويسرا البلد الأول عالمياً من حيث القدرة التنافسية والابتكار؟". وعلى هامش تلك الأنشطة، طلبت سفارات سويسرا في العالم العربي نسخًا من الكتاب لتقديمها كهدايا رسمية، كما تم إرسال نسخة لولي العهد السعودي، وأجرينا عدة لقاءات مع مسؤولين من الإدارة المصرية ووزارة التعليم العالي دارت حول ملامح التميز السويسري الذي احتضن قصص نجاح رجال أعمال مهاجرين مثل نيكولا حايك اللبناني الأصل ومؤسس شركة سواتش، وغيره ممن قدموا للعالم منتجات ذائعة الصيت أشهرها: أقراص فيتامين سي المصنعة، وحبوب الفاليوم المهدئة، وتقنيات تشغيل الساعات بالاهتزاز، وحبيبات القهوة الفورية، وكبسولات النسبريسو، ومستخلصات الحساء والخضروات (ماجي وكنور)، وما زالت سويسرا تواصل نجاحها حيث شهد العام المنصرم على سبيل المثال ظهور نحو 43 ألف شركة".
خطة الإصدارات القادمة
يختتم "مكارثي" كلماته بالحديث عن خططه القادمة بقوله: "مبدئيًا، لن تتجه الدار لترجمة كتب أدبية، وإن كنت أفكر بصفة شخصية في نشر مجموعتي القصصية "يوميات حنا" باللغتين العربية والإنجليزية، الموجهة لعرب المهجر ممن يبحثون عن كتب بالعربية لمخاطبة الأبناء الناطقين بلغة بلدهم الجديد. واليوميات عبارة عن مشاهد وحوارات قصيرة لطالب مراهق يتكلم الإنجليزية ويعيش في لبنان يدعى "حنا"، وهو النطق العربي لاسمي "جون" الذي منحته كتقليد متوارث في عائلتي لابني "حنا" الخامس. جاءت البداية بتشجيع من معلمتي التي اطلعت على ملف يضم عددًا من الحوارات القصيرة التي قمت بها كتدريبات كتابة باللغة العربية، وتم تعديل تلك الحوارات بإضافة الوصف اللازم لتتحول إلى قصص قصيرة أكتبها بالإنجليزية، ثم أقوم بترجمتها قبل أن تتولى معلمتي بسمة تحريرها قبل ضمهم إلى الملف. لدي الآن نحو 30 قصة تتكون كل واحدة من ثلاثة أجزاء، وتشكل 3 مواسم عرض لمسلسل تليفزيوني.
من جهة أخرى، ولإيماني بقانون الجذب، ومثلما وصلت لكتاب "صناعة سويسرية" لترجمته ونشره بعد سنوات من التقاعد، أنتظر الآن كتابًا آخر نافعًا، وسأتبع دومًا العلامات وأفعل ما أراه جيدًا وأسعى لأن يصل للآخرين".